في الأيام التي تلت مقتل جورج فلويد في مينيابوليس، خلال شهر مايو2020، أعلن رئيس جامعة هارفارد أنه «يجب علينا استغلال هذه اللحظة لمواجهة الظلم العنصري وعلاجه». وكتب عميد كلية الصحة العامة للطلاب: «مجتمعنا يقف متحداً في بذل كل ما في وسعنا... لنكون عملاء للتحول الاجتماعي المناهض للعنصرية». وشدد رئيس جامعة ستانفورد على «الإرث المخزي للعنصرية ضد السود، وكيفية استمرارها في مجتمعاتنا وبلدنا»، بينما كتبت قيادة كلية الطب فيها: «بشكل جماعي، لا يمكننا التنفس قبل أن يحدث تغيير حقيقي».
لسنوات، كانت الكليات تستخدم الأحداث الجارية كمحفزات لتعزيز القضايا السياسية، وقد وصل هذا الاتجاه إلى ذروته في عام 2020. وانضمت جامعات هارفارد وستانفورد إلى الجامعات في جميع أنحاء البلاد في إلقاء ثقلها المؤسسي الكامل لمواجهة الحركة العنصرية التقدمية التي تجتاح البلاد.
ولكن بعد مرور أربع سنوات، ومع حالة الاضطراب التي تعيشها الجامعات بسبب الحرب بين إسرائيل و«حماس»، استبعدت الجامعتان مثل هذه الدعوة المؤسسية. يقول تقرير لأعضاء هيئة التدريس بجامعة هارفارد صدر قبل أسبوعين وباركته إدارة الجامعة: «يتم تعيين قادة الجامعة لمهارتهم في قيادة مؤسسة للتعليم العالي، وليس لخبرتهم في الشؤون العامة. ولذلك، عندما يتحدثون من واقع أدوارهم الرسمية، يجب عليهم أن يقتصروا على الأمور التي تقع ضمن مجال خبرتهم ومسؤوليتهم المؤسسية، والتي تتمثل في إدارة الجامعة».
وتبنّى مجلس أعضاء هيئة التدريس في جامعة ستانفورد قراراً مماثلاً:«عند التحدث باسم المؤسسة، لا ينبغي لقادة جامعة ستانفورد وإدارييها التعبير عن رأي حول الخلافات السياسية والاجتماعية، ما لم تؤثر هذه الأمور بشكل مباشر على مهمة الجامعة، أو تنطوي على التزاماتها القانونية».
بعبارة أخرى، تريد جامعتا ستانفورد، وهارفارد الآن اتخاذ موقف الحياد تجاه الحرب الثقافية، مع استثناءات محددة للغاية. نظرياً، يعد هذا تحولاً مرحباً به بعيداً عن العظمة المؤسسية ونحو المهمة الأكاديمية، ولكن يتعين على المتهكمين أن يتساءلوا ما إذا كان الإجماع الناشئ دائماً، أو ما إذا كان في حد ذاته موقفاً ملائماً سيتحطم عند الاتصال بالحركة الاجتماعية التقدمية التالية المستهلكة بالكامل؟.
ومن المثير للاهتمام أن التحول الرسمي نحو الحياد يأتي وسط توترات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إن دعم إسرائيل، بشكل عام، ليس موضوعاً يقسّم الليبراليين والمحافظين، بقدر ما هو موضوع يوحد المحافظين، ويقسم الليبراليين فيما بينهم. يستجيب قادة الجامعات النخبة لأصحاب المصلحة الليبراليين في المقام الأول، بما في ذلك المنظمات الطلابية الناشطة، وأعضاء هيئة التدريس ذوي الميول اليسارية، على الرغم من أن الخريجين ربما يكونون أكثر اختلاطاً سياسياً.
وبالتالي، فإن التصريحات المؤسسية حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كتلك التي كان زعماء الجامعات يدلون بها بشأن قضايا أخرى - والتي كانت دائماً تقريباً على الجانب التقدمي - تميل إلى كسر وتأجيج السياسة الجامعية. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تواجه التصريحات المناصرة لحق الاختيار، في مسألة الإجهاض، على سبيل المثال، معارضة من خارج الأوساط الأكاديمية بشكل رئيس. إن رؤساء الجامعات سياسيون حتماً، ومن مصلحتهم تجنب خلق احتكاك داخل قاعدتهم (كما تفعل إسرائيل وغزة)، وبدلاً من ذلك توحيدها ضد التهديدات الخارجية المتصورة (كما تفعل قضايا مثل حياة السود مهمة).
الأمر لا يتعلق فقط بالشرق الأوسط. ففي نهاية المطاف، بدأ المسؤولون التنفيذيون في الشركات التخلص من التزامات تقدمية علنية تراكمت لديهم في السنوات السابقة قبل هجمات 7 أكتوبر. وتنبأت جامعة ستانفورد بسياستها الجديدة في مارس من العام الماضي. بعد أن علا صوت طلاب القانون التقدميين على صوت قاضٍ فيدرالي محافظ أثناء محاولته إلقاء محاضرة، أصدرت عميدة كلية الحقوق بياناً ترفض فيه الطلاب الذين توقعوا أن تدين الإدارة آراء القاضي. وكتبت:«إن التزامنا بالتنوع والمساواة والشمول لن يتخذ شكل إعلان إدارة المدرسة عن مواقف مؤسسية بشأن مجموعة واسعة من القضايا الاجتماعية والسياسية الحالية».
ومع ذلك، فمن الواضح أن تداعيات 7 أكتوبر، والحرب الإسرائيلية اللاحقة في غزة جعلت قضية الحياد المؤسسي في التعليم العالي تبدو أكثر إلحاحاً. وقد ساهم الجدل حول الحرب في استقالة اثنين من رؤساء رابطة (آيفي)، واحتجاجات الحرم الجامعي، ومعضلات حرية التعبير الجديدة. بالنسبة للجامعات التي تتنقل في هذه البيئة السياسية، قد يبدو الحياد الليبرالي مبدئياً، نعم، ولكنه جذاب أيضاً باعتباره مسألة تتعلق بالحفاظ على الذات.
على النقيض من ذلك، في أعقاب مقتل جورج فلويد، اتخذت غرائز الحفاظ على الذات بين قادة الجامعات الاتجاه الآخر. في ذلك الوقت، ربما لم تكن إدانات العنصرية والدعوات إلى التغيير التقدمي تبدو سياسية في حد ذاتها. لقد تم مشاركتها عالمياً في المجتمع الأكاديمي.
والبيانات الجديرة بالثناء التي تبنتها جامعتا هارفارد وستانفورد تحتوي على مخرج يمكن لقادة الجامعات استغلاله في المرة القادمة التي يشعرون فيها بأنهم مضطرون إلى إطلاق دعوات سياسية للعمل. تسمح هذه التصريحات بحق بأن يدافع القادة عن«الوظيفة الأساسية» للجامعة (هارفارد) أو «مهمة الجامعة» (ستانفورد).
إن جامعات النخبة عبارة عن نماذج مصغرة نادرة للمجتمع الأميركي، لذا فهي لا تتأثر بشكل مباشر فقط بقضايا مثل الضرائب على الأوقاف، ولكن أيضاً بشكل غير مباشر بقضايا مثل العلاقات العرقية، والحرب في الشرق الأوسط. إذا بدت إحدى القضايا مهمة بما فيه الكفاية، فيمكن للعمداء والرؤساء أن يقرروا أنها جوهرية لمهمة الجامعة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»